المدرسة الفقهيّة التونسيّة ونظرية توسّطها مركز الاعتدال

الملخص

يهدف هذا البحث إلى إظهار الخصوصيّة الفكريّة والمنهجيّة للمدرسة الفقهيّة التونسيّة الموسومة بالتوسّط والاعتدال والمرونة. وبتعبير أوضح، فهو يروم تبيينَ كم كانت المدرسة الفقهيّة التونسيّة بعيدة عن التعصّب والتقليد الأعمى من ناحية، ومنفتحة على العقل والمنطق وعاملة في نطاق مقاصد الدين من ناحية ثانية، وقادرة على تجاوز المحن ومواكبة التطوّر من ناحية ثالثة. ولمّا كانت طبيعة بحثنا برهانيّة استدلاليّة، فهو يتّكئ على جملة من المناهج المناسبة له والناجعة في مضمار البحث العلميّ. ومن أبرزها المنهج الاستقرائيّ التاريخيّ لاستقراء الأحداث والوقائع التاريخيّة، وكذلك المنهج التحليليّ النقديّ لتحليل موضوعات بحثنا ومعطياته تحليلا نقديّا. أمّا المنهج الحجاجيّ، فهو المُعَوَّل عليه في عمليات الاستدلال المختلفة. ويتكوّن هذا العمل من مباحث ومطالب ضروريّة للإقناع بموضوعنا. أمّا الأوّل، فيتعرّض لنشأة المدرسة الفقهيّة التونسيّة، ويضمّ بضعة مطالب على غرار تأثّر القيروان والقيروانيين بمالك والمدينة، ودور مدينة تونس في نشأة المدرسة الفقهيّة القيروانيّة، وظروف انتقال السند العلميّ للفقه المالكيّ من القيروان إلى حاضرة تونس. في حين يعالج المبحث الثاني نظرية توسّط المدرسة الفقهيّة التونسيّة مركز الاعتدال، وهو يحوي عدّة مطالب نحو لَفْظِ المجتمع القيروانيّ الأوّل لغلاة الخوارج، وتصدّي الدولة الصنهاجيّة للدعوة الفاطميّة، ورفض علماء تونس للدعوة الوهّابيّة. أمّا المبحث الثالث، فهو الأهمّ في نظرنا، ولذلك جعلناه عملا تطبيقيّا على ثلّة من أنجب أشياخ المدرسة الفقهيّة التونسيّة، وجعلنا لكل واحد منهم مطلبا خاصّا به إمعانا في دعم موضوعنا وإحكامه. وهكذا، حقّق بحثُنا جملة من النتائج كإثبات وسطيّة المدرسة الفقهيّة التونسيّة ومرونتها، وتبيين كيف أنّها ثمرةُ مسار طويل للفقه المالكيّ انطلق من المدينة إلى القيروان ثمّ إلى تونس، ولعلّ أهمّ نتيجة هي قدرة هذه المدرسة على التطوّر والإتيان بإبداعات رائدة كالعقوبة بالمال بفضل ما ترسّخ فيها من عقل ومنطق.