الصحراء في الشّعر الجاهليّ: رؤية في المحتوى والفنّ

الملخص

يهدف هذا البحث إلى دراسة البيئة الصحراويّة في الشعر الجاهلي من خلال تحليل صورها ودلالاتها في قصائد شعراء تلك الفترة، مع تقسيمها إلى بيئة حيّة (النّاقة، القطا، الماء) وبيئة صامتة (الليل، الجبال، الرمال)، كما يهدف إلى الكشف عن رؤية الشاعر الجاهلي للبيئة الصحراويّة، وبيان كيفيّة توظيف عناصرها للتعبير عن حالاته النفسيّة والاجتماعية.
اعتمدت الدراسة المنهج التحليليّ، من خلال اختيار نماذج شعريّة من الفترة الجاهليّة وتحليلها دلاليًّا ورمزيًّا، مع الاستعانة بالدّراسات السابقة والمصادر التّراثيّة، وربط الصّور الشعريّة بخصائص البيئة الصحراويّة ومكوّناتها.
أظهرت النتائج أن البيئة الصحراويّة شكّلت مادّة خصبة للشعر الجاهلي، وأنَّ الشاعر الجاهليّ صنّف عناصرها بوعي إلى حيّة وصامتة، واستخدم الكائنات الحيّة كوسيلة لتجاوز صعوبات البيئة الصامتة. كما اتضح أن تصويره لهذه البيئة لم يكن مجرّد وصف طبيعي، بل كان أداة لإثبات الشجاعة، وإبراز القيم الاجتماعيّة، والتعبير عن المشاعر الإنسانيّة. وبيّنت النتائج وجود علاقة تكامليّة بين البيئتين؛ إذ أنَّ معالم البيئة الحيّة كالنّاقة والماء كانت غالبًا سبب النّجاة من تحدّيات معالم الصّحراء الصّامتة.
تخلص الدراسة إلى أنّ حضور الصّحراء في الشعر الجاهليّ يعكس عمق الارتباط بين الإنسان الجاهليّ ومكانه، وأنه استطاع تحويلها من فضاء موحش إلى مجال رمزيّ غنيّ بالمعاني. توصي الدراسة بتوسيع البحث في حضور الصحراء في الفترات الأدبيّة اللاحقة ومقارنة ذلك بما ورد في الشعر الجاهليّ، مع التركيز على تطوّر الدلالات والصور، وأهمية دراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة في الأدب العربيّ القديم بوصفها مفتاحًا لفهم بنيته الجماليّة والفكريّة.